العليا للأشراف | فيصل البكري | المولد النبوي بين الإجازة والتحريم

الأشراف نيوز 

مكتب لندن 

كتب :- فيصل بن حسن البكري

تحتفل الأمة الإسلامية قاطبة في اليوم الثاني عشر من هذا الشهر بالمولد النبوي الشريف في إحتفال بهيج بمولد الهادي البشير والسراج المنير
صلى الله عليه وعلى آله الأطهار.
فالإحتفال بمولده ليس إلا الإعتناء والاهتمام بالرسول الكريم الذي أرسله الله رحمة للعالمين.
(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)
فما دامت تلك الإحتفالات شرعية إستنادا بنص صريح أو إستنباط حقيقي تكون واضحة المعاني والأهداف.

فالإحتفال بالمولد النبوي ما هو إلا إستدلال واضح ليست من الجائزات،
بل هي من الواجبات على كل من أمن بهذا الرسول الكريم الذي منٌ الله علينا به وأكرمنا ببعثته ورسالته لأمة كانت خير أمة أخرجت للناس.
والدليل على ماجاء في حديثه صلى الله عليه وسلم: إنه خرج يوما إلى حلقة يعني أصحابه رضوان الله عليهم
فقال … ما أجلسكم قالوا جلسنا ندعو الله ونحمده على ما هدانا لدينه ومنٌ علينا بك.
قال عليه الصلاة والسلام: ما أجلسكم إلا ذلك: قالوا الله ما أجلسنا إلا ذلك.
قال: أما إني أستحلفكم تهمة وإنما أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة.
رواه مسلم والنسائي.
فهذا دليل واضح على جواز الإجتماع في حلقات الذكر والدعاء والصلاة على رسوله وتدارس سيرته ومعجزاته التي حباها الله بها.
وهي بلا شك مجالس نعمة للتذكير بنعم الله علينا لمِا منٌ علينا بهذا الرسول الكريم.
وحديثه صلى الله عليه وسلم:
ثلاثة من كُن فيه وجد حلاوة الإيمان
ومنها أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهم.
فلا يرضى لنفسه ولا يقر لغيره من بشر أن يشرع في دين الله بزيادة تكون مخالفة لشرع الله أو حذف يؤدي إلى نقص مما تمم الله سبحانه وتعالى.
لهذا فان (المولد النبوي) يعتبر في حيز المدح وهو مثال موجود كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف ويعتبر من الأفعال المحمودة.
ولا يجوز أن يكون ذلك خلاف ما ورد في الشرع. لأن النبي قد جعل له في ذلك ثوابا فقال:
من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها.
وقال في ضده من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها.
فكثيرآ من يقول بأن (المولد) بدعة بدون علم مستفيض به!!!

فالبدعة… ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه.
وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعآ وإن كان بدعة لغة.
فهذا هو الإعتقاد المبني على قواعد الشرع وأصول الكتاب والسنة التي أستنبطها الجهابدة من عُلماء وفقهاء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
فالإحتفال ليس مما تحقق فيه تعريف (البدعة) على أي إتجاه من الإتجاهات في تعريفها لثبوت أصله من السنة
أو توارد الأدلة المؤدية لوقوعه.
فـ للمسلمين الحق (بالفرح والسرور) أن يعم منازلهم ومجالسهم بذكر سيد المرسلين. حيث أن كل يوم من أيامه صلى الله عليه وسلم جدير بذكر الفرح والإبتهاج.
ولكن أحق أيامه هي ثلاثة:
يوم مولده ، ويوم بعثته ، ويوم هجرته.
فـ الإحتفال بمولده رأوا علماء المسلمين الذين أنتهل من علمهم علماء من بعدهم ليؤكدوا بعدم تحريم (المولد النبوي الشريف) إشارة لدليل على تخصيص يوم الإثنين الذي صامه الرسول وقال هذا يوم مولدي.
وبهذا الإستدلال رد القول بأن هذا الإحتفال تخصيص لهذا اليوم حيث ثبت لهذا التخصيص أصل السنة.
وقد ذكر إبن تيمية رحمه الله في إقتضاء الصراط المستقيم ـ ص(296) في تعظيم المولد النبوي وإتخاذه موسمآ قد يفعله بعض الناس ويكون فيه أجرآ عظيمآ لحسن قصده وتعظيم شأنه.

فهنا نشير أن (الربيع) مصدر أنس وبهجة في لفظه ودلالته تتناسب مع ولادته صلى الله عليه وسلم. حيث
لا يتشرف بالأزمنة أو الأمكنة.
بل تتشرف به الأمكنة والأزمنة لعظيم مكانته وجليل فضله.
ولقد أتفق سائر المسلمون على أن أشرف بقعة هي التي ضمت جسده الشريف.
فـ لماذا لا يكون الشهر واليوم الذي ولد فيه من أفضل الشهور والأيام!
ولقد ذكر مولد (زكريا) عليه السلام
ومولد سيدنا (عيسى) عليه السلام
وقصة ميلاد (مريم) عليها السلام
ومن هنا فهل يقتفى بـ قصة المولد الشريف ليسدنا محمد صلى الله عليه
وسلم على الإسماع في المنهج القرآني.
فإن أصل الاحتفال هو صيام يوم مولده.

وحيث لم ينبه أصحابه رضوان الله عليهم من أن أختاروا يوم الجمعة الإجتماع لذكره صلى الله عليه وسلم حتى أنه ذُكر في حديثه أن لله ملائكة
لا وظيفة لهم إلا حلقة الذكر فيحفون الذاكرين بأجنحتهم إلى السماء الدنيا ولولا ذلك لما تركت الملائكة السموات وعبادته ونزلوا لحضور هذه المجالس.

ولو أخذنا أمورا فعلها الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاة الرسول مثل:
1ـ لم يكن القران قد جمع في حياته صلى الله عليه وسلم , فـ أشار سيدنا عمر على سيدنا أبو بكر رضي الله عنهما بجمع القران في مصحف.
حيث كثر القتل في واقعة اليمامة.
فقال (أبو بكر) كيف نفعل شيئا لم يفعله الرسول في حياته. حتى شرح الله صدر أبو بكر , فبعث إلى زيد بن ثابت ـ فكلفه بتتبع القران وجمعه.
2 ـ كان مقام إبراهيم في زمن الرسول وأبو بكر ملتصقا بالبيت.
فأخره سيدنا (عمر) عندما رأى الناس قد كثروا في الطواف فأراد بذلك أن يُوسع عليهم .
3 ـ كان لنداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما فما كان من سيدنا عثمان رضي الله عنه إلاأنه زاد الأذان الثالث
4 ـ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الذي أنشأها سيدنا علي كرم الله وجهه وكان يعلمها للناس وقد ذكر ذلك في (تهذيب الآثار) التي ذكرها سعيد إبن منصور و إبن جرير.
5 ـ ما زاده إبن مسعود في التشهد بعد ورحمة الله وبركاته.
رواه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد.
6 ـ زيادة عبدالله بن عمر البسملة في أول التشهد, وكذا ما زاده في التلبية وهو مبسوط في صحيح البخاري ومسلم.
فكل هؤلاء أبتدعوا أشياء راؤها (حسنة) لم تكن في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم.
لهذا فإن الإحتفال بالمولد الذي يحتفل به المسلمون في جميع الأمصار محبة في الرسول وله أصل في السنة كما قال كثير من المحققون رحمهم الله
ومن العجب الذي لا ينقضي أن يقول إبن تيمية رحمه الله (يكون له فيه خير عظيم لحسن قصده وتعظيمه للنبي صلى الله عليه وسلم)
كما قال الإمام أحمد إبن حنبل رحمه الله: وأي شيء أحسن أن يجتمعوا الناس يصلون ويذكرون ما أنعم الله به عليهم.
فـ المولد النبوي يشتمل على مجموعة من الطاعات التي حض عليها الإسلام ورغب فيها مثل. قراءة القران والذكر والدعاء وسماع السيرة النبوية وإطعام الطعام للمساكين والمحتاجين.
وإن ما يحدث من أنواع الطاعات
في (المولد النبوي) هو مما حض عليه ورغب فيه النبي. ومن المستغرب أن يقول بعض الناس بأن (المولد) يحدث فيه مفاسد عظيمة ومنكرات كثيرة
لا تشمل على الطاعات وذكر الله والصلاة على رسوله !!!
ولو أخذنا على سبيل المثال أنه وقع بعض من هذه المفاسد في إجتماع صلاة الجمعة على سبيل المثال…
فهل يكون هذا الإجتماع شنيعا وقبيحا؟ وهل يلزم في ذلك ذم (الأصل) لصلاة الجمعة؟
وهل يلزم مما وقع في أيام الحج من بعض المفاسد في الطواف من سرقات ومضايقات أنها تذم أصل الإجتماع ؟
ولو أستدلينا إستدلال لأقوال أئمة الهدىٰ بأجازة الإحتفال بالمولد النبوي ومنهم:
* الإمام الحافظ السيوطي
(الحاوي للفتاوى)
* شيخ الإسلام ابن تيمية
(إقتضاء الصراط المستقيم)
* الإمام الحافظ شمس الدين إبن الجزري (التعريف بالمولد الشريف)
* الإمام الحافظ ابن الجوزي
(الإجازة في المولد النبوي)
* الإمام عبدالرحمن الدمشقي المعروف بابي شامة.
(الباحث على إنكار البدع والحوادث)
* الإمام الحافظ القسطلاني
(المواهب الدينية)
* الإمام الحافظ ابن أبي بكر القيسي الدمشقي.
(جامع الآثار في مولد النبي المختار)
* الإمام الحافظ العراقي.
(المورد الهني في مولد النبي)
* الحافظ ملا على قاري.
(المورد الروي في المولد النبوي)
*الإمام العالم ابن دحية.
(التنوير في مولد البشير النذير )
* الإمام شمس الدين بن ناصر الدمشقي.
(مورد العادي في مولد الهادي )
وهو القائل في شعره المشهور لأبي لهب..
إذا كان هذا كافر جاء ذمه. وتبت يداه في الجحيم مخلدا
أتى في يوم الاثنين دائما يخفف عنه للسرور بأحمدا.
فما الظن بالعبد الذي طول عمره بأحمد مسرورا ومات موحدا.
* الحافظ المحدث المناوي.
(الجامع الصغير في المولد النبوي الشريف)
* الحافظ الشريف محمد بن جعفر الكتاني
(اليُمن والإسعاد بمولد خير العباد)
* المفتي العلامة السيد عبدالقادر بن أبي بكر الصديقي. مفتي السلطنة العثمانية في مكة البهية.
(خير التمام في مولد سيد الأنام)

فقد روى التاريخ أن أهل مكة كانُ السباقون في الإحتفال بذلك المولد النبوي حتى أن بعضهم كان يقولوا الشعر في مولده كقول العباس بن عبد المطلب. الذي كان يخاطب النبي وهو يقول:
وآنت لما ولدت أشرقت الأرض
وضاءة بنورك الأفق.

ومن هنا فأن الإحتفال بالمولد النبوي (يعّنا) به المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها محبه في الرسول صلى الله عليه وسلم له أصل في السنة كما قال كثيرا من المحققين والمفسرين والمحدثين رحمهم الله
لهذا فأن الإحتفال بمولده إنما هي مجالس بر , وخير , وتقوى , ودعوة , وحسن توجيه
فكم نرى ونسمع ممن ينكرون الإحتفال بالمولد النبوي الشريف حيث ساء أدبهم مع صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام وسلطوا ألسنتهم في لحوم علماء الأمة يكفرون ويضللون كيف
ما شاءوا.
فأي نعمة أعظم من هذه النعمة التي أنعم بها الله علينا بالإحتفال بمولده الذي ينبغي أن نشكر الله على نعمة لذلك اليوم العظيم الذي يعتبر صورة من الصور المعبرة عن ذلك الشكر وكل عام والأمة الإسلامية تنعم بالخير والمحبة والسلام والله الموفـق …

عن الأشراف نيوز

شاهد أيضاً

العليا للأشراف | تهنئ الشريفة مها العارف بخطبة إبنتها

الأشراف نيوز – لندن يتقدم سعادة السيد الشريف السفيرأمين شمخ رئيس الهيئة العالمية العليا للسادة …